لماذا يحب القومي وطنه؟بقلم: محمد نبيل المصريمؤلف كتاب “قائد ضد الرصاص” وعضو مجلس حكماء جامعة Alzette الفرنسية—مقدمةيرى القومي وطنه كما يرى العاشق حبيبته، فلا يتخلى عنه، ولا يرضى بديلاً له، لأنه يعشقه بكل جوارحه. الوطن بالنسبة له هو الذاكرة والمأوى، وهو الأمل والحلم، والمكان الذي يحتويه في الشدة والرخاء.يتذكّر القومي فضل وطنه عليه، فيسعى جاهداً لرد الجميل، ويأمل أن يراه متقدّماً مزدهراً، لا لشيء سوى أنه يشعر بأن لا ملجأ له إلا هذا الوطن. وإن رأى في دولة أخرى تجربة ناجحة، تمنى لوطنه مثلها، بل وأفضل منها. يراقب عن كثب التطورات والمشاريع، ويدعم كل من يسهم في بنائها بإخلاص.الوطن بالنسبة له ليس مجرد جغرافيا، بل هو العائلة والطفولة، والضحكات الأولى والدموع، وهو الذكريات والحبيبة المنتظرة. في الشعر والموسيقى يرى صور الوطن، وفي كل حلم شخصي يطل طيفه.القومية، في جوهرها، ليست مجرد شعور؛ بل هي حالة وجدانية معقدة، تتشكل من تجارب وذكريات وثقافة وهوية، وتتغذى على التفاعل بين الفرد والمجتمع.—تفسيرات علمية للمشاعر القوميةلفهم لماذا يحب القومي وطنه بهذه القوة، يمكن الرجوع إلى بعض التفسيرات النفسية والاجتماعية التي تضيء أبعاد هذه المشاعر:1. نظرية الهوية الاجتماعيةيشكّل الوطن جزءاً أصيلاً من هوية الإنسان. يستمد الفرد شعوره بالذات من انتمائه إلى جماعة، وأكبر هذه الجماعات هي الأمة. عندما يقدّم الفرد عملاً نافعاً لوطنه، فهو يفعل ذلك بإيمان أن ما يزرعه اليوم سيحصد ثماره لاحقاً له أو لأبنائه. وهكذا يصبح حب الوطن عملاً نفعياً ذا أبعاد أخلاقية وإنسانية.2. تحيّز المجموعة الداخلية مقابل الخارجيةيميل الإنسان فطرياً إلى تفضيل من يشبهه، ويشعر بالأمان وسط جماعته. وهذا الشعور يولد تعاطفاً ودعماً للجماعة الوطنية، وقد يتطور إلى رفض كل ما هو خارجي إذا غاب الوعي النقدي.3. التاريخ والثقافة المشتركةاللغة، العادات، الرموز، والذكريات المشتركة تخلق إحساساً عميقاً بالانتماء، وتغذي مشاعر الفخر والارتباط.4. الارتباط العاطفي بالمكانالذكريات الشخصية المرتبطة بالوطن، منذ الطفولة وحتى المراهقة، تترك بصمات وجدانية يصعب محوها. هذا الرابط العاطفي يجعل القومي يرى وطنه بعين المحب لا بعين الناقد فقط.5. الشعور بالتهديدفي أوقات الأزمات أو التهديدات الخارجية، تزداد مشاعر التلاحم والانتماء. فالوطن يصبح عندئذٍ خندق النجاة الأخير، وتتعزز القومية كوسيلة للبقاء والتمسك بالهوية.—خاتمةالقومية، كغيرها من المشاعر الإنسانية، يمكن أن تكون قوة بنّاءة أو مدمّرة. فبينما تُلهم القومية الإيجابية الأفراد لبذل الجهد من أجل ازدهار وطنهم، يمكن أن تتحول إلى تعصّب أعمى حين تُستخدم لتبرير كراهية الآخر.إن حب الوطن شعور نبيل، شرط أن يُترجم إلى عمل وتضحية وإخلاص، لا إلى شعارات جوفاء أو مواقف متشددة. فالوطنية الحقة تسعى إلى البناء والتعايش، لا إلى الإقصاء والانغلاق.
لماذا يحب القومي وطنه؟بقلم: محمد نبيل المصريمؤلف كتاب “قائد ضد الرصاص” وعضو مجلس حكماء جامعة Alzette الفرنسية—مقدمةيرى القومي وطنه كما يرى العاشق حبيبته، فلا يتخلى عنه، ولا يرضى بديلاً له، لأنه يعشقه بكل جوارحه. الوطن بالنسبة له هو الذاكرة والمأوى، وهو الأمل والحلم، والمكان الذي يحتويه في الشدة والرخاء.يتذكّر القومي فضل وطنه عليه، فيسعى جاهداً لرد الجميل، ويأمل أن يراه متقدّماً مزدهراً، لا لشيء سوى أنه يشعر بأن لا ملجأ له إلا هذا الوطن. وإن رأى في دولة أخرى تجربة ناجحة، تمنى لوطنه مثلها، بل وأفضل منها. يراقب عن كثب التطورات والمشاريع، ويدعم كل من يسهم في بنائها بإخلاص.الوطن بالنسبة له ليس مجرد جغرافيا، بل هو العائلة والطفولة، والضحكات الأولى والدموع، وهو الذكريات والحبيبة المنتظرة. في الشعر والموسيقى يرى صور الوطن، وفي كل حلم شخصي يطل طيفه.القومية، في جوهرها، ليست مجرد شعور؛ بل هي حالة وجدانية معقدة، تتشكل من تجارب وذكريات وثقافة وهوية، وتتغذى على التفاعل بين الفرد والمجتمع.—تفسيرات علمية للمشاعر القوميةلفهم لماذا يحب القومي وطنه بهذه القوة، يمكن الرجوع إلى بعض التفسيرات النفسية والاجتماعية التي تضيء أبعاد هذه المشاعر:1. نظرية الهوية الاجتماعيةيشكّل الوطن جزءاً أصيلاً من هوية الإنسان. يستمد الفرد شعوره بالذات من انتمائه إلى جماعة، وأكبر هذه الجماعات هي الأمة. عندما يقدّم الفرد عملاً نافعاً لوطنه، فهو يفعل ذلك بإيمان أن ما يزرعه اليوم سيحصد ثماره لاحقاً له أو لأبنائه. وهكذا يصبح حب الوطن عملاً نفعياً ذا أبعاد أخلاقية وإنسانية.2. تحيّز المجموعة الداخلية مقابل الخارجيةيميل الإنسان فطرياً إلى تفضيل من يشبهه، ويشعر بالأمان وسط جماعته. وهذا الشعور يولد تعاطفاً ودعماً للجماعة الوطنية، وقد يتطور إلى رفض كل ما هو خارجي إذا غاب الوعي النقدي.3. التاريخ والثقافة المشتركةاللغة، العادات، الرموز، والذكريات المشتركة تخلق إحساساً عميقاً بالانتماء، وتغذي مشاعر الفخر والارتباط.4. الارتباط العاطفي بالمكانالذكريات الشخصية المرتبطة بالوطن، منذ الطفولة وحتى المراهقة، تترك بصمات وجدانية يصعب محوها. هذا الرابط العاطفي يجعل القومي يرى وطنه بعين المحب لا بعين الناقد فقط.5. الشعور بالتهديدفي أوقات الأزمات أو التهديدات الخارجية، تزداد مشاعر التلاحم والانتماء. فالوطن يصبح عندئذٍ خندق النجاة الأخير، وتتعزز القومية كوسيلة للبقاء والتمسك بالهوية.—خاتمةالقومية، كغيرها من المشاعر الإنسانية، يمكن أن تكون قوة بنّاءة أو مدمّرة. فبينما تُلهم القومية الإيجابية الأفراد لبذل الجهد من أجل ازدهار وطنهم، يمكن أن تتحول إلى تعصّب أعمى حين تُستخدم لتبرير كراهية الآخر.إن حب الوطن شعور نبيل، شرط أن يُترجم إلى عمل وتضحية وإخلاص، لا إلى شعارات جوفاء أو مواقف متشددة. فالوطنية الحقة تسعى إلى البناء والتعايش، لا إلى الإقصاء والانغلاق.